فصل: ‏(‏الاختلاف السادس‏)‏ أن الحكم الحادي عشر الزائد على الأحكام العشرة المشهورة يوجد في السامرية ولا يوجد في العبرانية

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: إظهار الحق **


قال العلامة تقي الدين أحمد بن علي المقريزي في المجلد الأول من تاريخه، ناقلًا عن الفقيه الحافظ أبي محمد علي بن أحمد بن سعيد بن حزم‏:‏

‏(‏وأما نحن - يعني أهل الإسلام - فلا نقطع على علم عدد معروف عندنا ومن ادعى في ذلك سبعة آلاف سنة أو أكثر أو أقل، فقد قال ما لم يأت قط عن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم فيه لفظة تصح عنه عليه السلام خلافه، بل نقطع على أن للدنيا أمدًا لا يعلمه إلا اللّه تعالى قال اللّه تعالى‏:‏ ‏{‏ما أشهدتهم خلق السماوات والأرض ولا خلق أنفسهم‏}‏ وقال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم‏:‏ ‏(‏ما أنتم في الأمم قبلكم إلا كالشعرة البيضاء في الثور الأسود أو الشعرة السوداء في الثور الأبيض‏)‏، وهذه نسبة من تدبرها وعرف مقدار عدد أهل الإسلام ونسبة ما بأيديهم من معمور الأرض وأنه الأكثر علم أن للدنيا أمدًا لا يعلمه إلا اللّه تعالى‏)‏ انتهى كلامه بلفظه، وهو مختار الفقير أيضًا والعلم التام عند اللّه وهو أعلم‏.‏

‏(‏الاختلاف السادس‏)‏ أن الحكم الحادي عشر الزائد على الأحكام العشرة المشهورة يوجد في السامرية ولا يوجد في العبرانية‏ ‏(‏الاختلاف السابع‏)‏ الآية الأربعون من الباب الثاني عشر من سفر الخروج في العبرانية هكذا‏:‏ ‏(‏فكان جميع ما سكن بنو إسرائيل في أرض مصر أربعمائة وثلاثين سنة‏)‏ وفي السامرية واليونانية هكذا‏:‏ ‏(‏فكان جميع ما سكن بنو إسرائيل وآباؤهم وأجدادهم في أرض كنعان وأرض مصر أربعمائة وثلاثين سنة‏)‏ والصحيح ما فيهما وما في العبرانية غلط يقينًا‏.‏ ‏(‏الاختلاف الثامن‏)‏ في الآية الثامنة من الباب الرابع من سفر التكوين في العبرانية هكذا‏:‏ ‏(‏وقال قائين لهابيل أخيه ولما صار في الحقل‏)‏ وفي السامرية واليونانية هكذا‏:‏ ‏(‏وقال قائين لهابيل أخيه تعال نخرج إلى الحقل ولما صارا في الحقل‏)‏ والصحيح ما فيهما عند محققيهم‏.‏ ‏(‏الاختلاف التاسع‏)‏ في الآية السابعة عشرة من الباب السابع من سفر التكوين في العبرانية هكذا‏:‏ ‏(‏وصار الطوفان أربعين يومًا على الأرض‏)‏‏.‏ وفي اليونانية هكذا‏:‏ ‏(‏وصار الطوفان أربعين يومًا وليلة على الأرض‏)‏ والصحيح ما في اليونانية‏.‏ ‏(‏الاختلاف العاشر‏)‏ في الآية الثامنة من الباب التاسع والعشرين من سفر التكوين في العبرانية هكذا‏:‏ ‏(‏حتى تجتمع الماشية‏)‏‏.‏ وفي السامرية واليونانية وكني كات والترجمة العربية لهيوبي كينت هكذا‏:‏ ‏(‏حتى تجتمع الرعاة‏)‏‏.‏ والصحيح ما في هذه الكتب لا ما في العبرانية‏.‏ ‏(‏الاختلاف الحادي عشر‏)‏ في الآية الثانية والعشرين من الباب الخامس والثلاثين من سفر التكوين في العبرانية هكذا‏:‏ ‏(‏وضاجع بلها سرية أبيه فسمع إسرائيل‏)‏ وفي اليونانية هكذا‏:‏ ‏(‏وضاجع بلها سرية أبيه فسمع إسرائيل وكان قبيحًا في نظره‏)‏ والصحيح ما في اليونانية‏.‏

‏(‏الاختلاف الثاني عشر‏)‏ في أول الآية الخامسة من الباب الرابع والأربعين من سفر التكوين توجد في اليونانية هذه الجملة‏:‏ ‏(‏لما سرقتم صواعي‏)‏ ولا توجد في العبرانية والصحيح ما في اليونانية‏.‏ ‏(‏الاختلاف الثالث عشر‏)‏ في الآية الخامسة والعشرين من الباب الخمسين من سفر التكوين في العبرانية هكذا‏:‏ ‏(‏فاذهبوا بعظامي من ههنا‏)‏ وفي اليونانية والسامرية هكذا‏:‏ ‏(‏فاذهبوا بعظامي من ههنا معكم‏)‏‏.‏ ‏(‏الاختلاف الرابع عشر‏)‏ في آخر الآية الثانية والعشرين من الباب الثاني من سفر الخروج في اليونانية هذه العبارة‏:‏ ‏(‏وولدت أيضًا غلامًا ثانيًا ودعا اسمه العازار فقال من أجل أن إله أبي أعانني وخلصني من سيف فرعون‏)‏ ولا توجد في العبرانية، والصحيح ما في اليونانية وأدخلها مترجمو العربية في تراجمهم‏.‏ ‏(‏الاختلاف الخامس عشر‏)‏ في الآية العشرين من الباب السادس من سفر الخروج في العبرانية هكذا‏:‏ ‏(‏فولدت له هارون وموسى‏)‏ وفي السامرية واليونانية هكذا‏:‏ ‏(‏فولدت له هارون وموسى ومريم أختهما‏)‏ والصحيح ما فيهما‏.‏ ‏(‏الاختلاف السادس عشر‏)‏ توجد في آخر الآية السادسة من الباب العاشر من سفر العدد في الترجمة اليونانية هذه العبارة‏:‏ ‏(‏وإذا نفخوا مرة ثالثة ترفع الخيام الغربية للارتحال، وإذا نفخوا مرة رابعة ترفع الخيام الشمالية للارتحال‏)‏ ولا توجد في العبرانية والصحيح ما في اليونانية‏.‏ ‏(‏الاختلاف السابع عشر‏)‏ توجد في النسخة السامرية في الباب العاشر من سفر العدد ما بين الآية العاشرة والحادية عشرة هذه العبارة‏:‏ ‏(‏قال الرب مخاطبًا لموسى‏:‏ إنكم جلستم في هذا الجبل كثيرًا فارجعوا وهلموا إلى جبل الأمورانيين وما يليه إلى العرباء وإلى أماكن الطور والأسفل قبالة التيمن وإلى شط البحر أرض الكنعانيين ولبنان وإلى النهر الأكبر نهر الفرات هو ذا أعطيتكم الأرض فادخلوا ورثوا الأرض التي خلف الرب لآبائكم إبراهيم وإسحاق ويعقوب أنه سيعطيكم إياها ولخلفكم من بعدكم‏)‏ انتهت‏.‏ ولا توجد هذه العبارة في العبرانية‏.‏ قال المفسر هارسلي في الصفحة 161 من المجلد الأول من تفسيره‏:‏ ‏(‏توجد في النسخة السامرية ما بين الآية العاشرة والحادية عشرة من الباب العاشر من سفر العدد العبارة التي توجد في الآية السادسة والسابعة والثامنة من الباب الأول من سفر الاستثناء، وظهر هذا الأمر في عهد بروكوبيس‏)‏‏.‏

‏(‏الاختلاف الثامن عشر‏)‏ في الباب العاشر من الاستثناء في العبرانية هكذا‏:‏ 6‏:‏ ‏(‏ثم ارتحل بنو إسرائيل من بيروت بني يعقن إلى موشرا ومات هناك هارون وقبر هناك ثم حبر بعده العازار ابنه‏)‏ 7‏:‏ ‏(‏ومن ثم أتوا إلى غدغادوا وارتحلوا من هناك وحلوا في يطبشا أرض المياه والسواقي‏)‏ 8‏:‏ ‏(‏في ذلك الزمان اعتزل سبط لاوى ليحمل التابوت الذي فيه ميثاق الرب ويقوم قدامه في الخدمة ويبارك باسمه حتى إلى هذا اليوم‏)‏‏.‏

وهذه العبارة تخالف عبارة الباب الثالث والثلاثين من سفر العدد في تفصيل المراحل‏.‏ وتوجد في السامرية في كتاب الاستثناء أيضًا العبارة التي في سفر العدد وعبارة سفر العدد هكذا‏:‏ 30‏:‏ ‏(‏وارتحلوا من حشمونا وأتوا مشروت‏)‏ 31‏:‏ ‏(‏ومن مشروت نزلوا في بني عقان‏)‏ 32‏:‏ ‏(‏وارتحلوا من بني عقان وأتوا جبل جد جاد‏)‏ 33‏:‏ ‏(‏وارتحلوا من ثم ونزلوا في يطبث‏)‏ 34‏:‏ ‏(‏ومن يطبث أتوا عفرونا‏)‏ 35‏:‏ ‏(‏وارتحلوا من عفرونا ونزلوا في عصينجير‏)‏ 36‏:‏ ‏(‏وارتحلوا من ثم وأتوا برية سين، فهذه هي قادس‏)‏ 37‏:‏ ‏(‏وارتحلوا من قادس في هور الطور الذي في أقصى أرض أدوم‏)‏ 38‏:‏ ‏(‏ثم صعد هارون الحبر إلى هور الجبل عن أمر الرب فمات هناك في سنة أربعين من خروج بني إسرائيل من مصر في الشهر الخامس في اليوم الأول من الشهر‏)‏ 39‏:‏ ‏(‏وهارون يومئذ ابن مائة وثلاث وعشرون سنة‏)‏ 40‏:‏ ‏(‏وسمع الكنعاني ملك غارد الذي كان يسكن التيمن في أرض كنعان أن جاء بنو إسرائيل‏)‏ 41‏:‏ ‏(‏ثم ارتحلوا من هور الطور ونزلوا في صلمونا‏)‏ 42‏:‏ ‏(‏وارتحلوا من ثم وأتوا فينون‏)‏ الخ‏.‏ ونقل آدم كلارك في الصفحة 779 و 780 من المجلد الأول من تفسيره في شرح الباب العاشر من كتاب الاستثناء تقرير كني كات في غاية الإطناب وخلاصته‏:‏ ‏(‏أن عبارة المتن السامري صحيحة، وعبارة العبري غلط وأربع آيات ما بين الآية الخامسة والعاشرة أعني الآية السادسة إلى التاسعة ههنا أجنبية محضة لو أسقطت ارتبط جميع العبارة ارتباطًا حسنًا، فهذه الآيات الأربع كتبت من غلط الكاتب ههنا وكانت من الباب الثاني من كتاب الاستثناء‏)‏ انتهى‏.‏ وبعد نقل هذا التقرير أظهر رضاه عليه وقال‏:‏ ‏(‏لا يعجل في إنكار هذا التقرير‏)‏‏.‏ أقول يدل على إلحاقية الآيات الأربع في الجملة الأخيرة التي توجد في آخر الآية الثامنة‏.‏

‏(‏الاختلاف التاسع عشر‏)‏ الآية الخامسة من الباب الثاني والثلاثين من كتاب الاستثناء في العبرانية هكذا‏:‏ ‏(‏هم أخرجوا نفوسهم‏.‏ عيبهم ليس عيبًا يكون على أبنائه هم الجيل الأعوج المتعسف‏)‏ وفي اليونانية والسامرية هكذا‏:‏ ‏(‏أخربوهم ليسوا له هم أبناء الغلط والعيب‏)‏ وفي تفسير هنري واسكات ‏(‏هذه العبارة أقرب إلى الأصل‏)‏ انتهى‏.‏ وقال المفسر هارسلي في الصفحة 215 من المجلد الأول هكذا‏:‏ ‏(‏فلتقرأ هذه الآية على وفق السامرية واليونانية وهينولي كينت وكني كات والمتن العبري محرف ههنا‏)‏ انتهى، وهذه الآية في الترجمة العربية المطبوعة سنة 1831 وسنة 1844 وسنة 1848 هكذا‏:‏ ‏(‏أخطوا إليه، وهو بريء من أبناء القبائح أيها الجيل الأعوج المتلوي‏)‏‏.‏

‏(‏الاختلاف العشرون‏)‏ الآية الثانية من الباب العشرين من سفر التكوين في العبرانية هكذا‏:‏ ‏(‏قال عن سارة امرأته إنها أختي ووجه أبي ملك جرارًا وأخذها‏)‏‏.‏ وفي تفسير هنري واسكات أن هذه الآية في اليونانية هكذا‏:‏ ‏(‏وقال عن سارة امرأته أنها أختي لأنه كان خائفًا من أن يقول إنها امرأته ظانًا أن أهل البلدة يقتلونه بسببها فوجه أبي ملك سلطان فلسطين أناسًا وأخذها‏)‏ انتهى‏.‏ فهذه العبارة‏:‏ ‏(‏لأنه كان خائفًا من أن يقول إنها امرأته ظانًا أن أهل البلدة يقتلونه بسببها‏)‏‏.‏ لا توجد في العبرانية‏.‏

‏(‏الاختلاف الحادي والعشرون‏)‏ توجد في الباب الثلاثين من سفر التكوين بعد الآية السادسة والثلاثين هذه العبارة في السامرية‏:‏ ‏(‏وقال ملك الرب ليعقوب‏:‏ يا يعقوب، فقال لبيك‏.‏ قال الملك ارفع طرفك وانظر إلى التيوس والفحول التي تضرب النعاج والمعز فإنهم بلقاء ومثمرة ومنقطة فقد رأيت ما فعل بك لابان، أنا إله بيت ايل حيث مسحت قائمة الحجر ونذرت لي نذرًا والآن قم فاخرج من هذه الأرض إلى أرض ميلادك‏)‏ ولا توجد في العبرانية‏.‏

‏(‏الاختلاف الثاني والعشرون‏)‏ توجد بعد الجملة الأولى من الآية الثالثة من الباب الحادي عشر من سفر الخروج هذه العبارة في النسخة السامرية‏:‏ ‏(‏وقال موسى لفرعون الرب يقول إسرائيل ابني، بل بكري، فقلت لك أطلق ابني ليعبدني وأنت أبيت أن تطلقه، ها أنا ذا سأقتل ابنك بكرك‏)‏ ولا توجد في العبرانية‏.‏

‏(‏الاختلاف الثالث والعشرون‏)‏ الآية السابعة من الباب الرابع والعشرين من سفر العدد في العبرانية هكذا‏:‏ ‏(‏يجري الماء من دلوه وذريته بماء كثير فيتعالى من أجاج ملكه وترفع مملكته‏)‏ وفي اليونانية‏:‏ ‏(‏ويظهر منه إنسان وهو يحكم على الأقوام الكثيرة وتكون مملكته أعظم من مملكة أجاج وترتفع مملكته‏)‏‏.‏

‏(‏الاختلاف الرابع والعشرون‏)‏ توجد في الآية الحادية والعشرين من الباب التاسع من سفر الأحبار في العبرانية هذه الجملة‏:‏ ‏(‏كما أمر موسى‏)‏ وتوجد بدلها في اليونانية والسامرية هذه الجملة‏:‏ ‏(‏كما أمر الرب موسى‏)‏‏.‏

‏(‏الاختلاف الخامس والعشرون‏)‏ الآية العاشرة من الباب السادس والعشرين من سفر العدد في العبرانية هكذا‏:‏ ‏(‏ففتحت الأرض فاها وابتلعت قورح في موت الجماعة مع المائتين والخمسين الذين أحرقتهم النار وكانت آية عظيمة‏)‏، وفي السامرية هكذا‏:‏ ‏(‏وابتلعتهم الأرض ولما ماتت الجماعة وأحرقت النار قورح مع المائتين والخمسين فصار عبرة‏)‏ وفي تفسير هنري واسكات‏:‏ ‏(‏إن هذه العبارة مناسبة للسياق والآية السابعة عشرة من الزبور المائة والسادس‏)‏ انتهى‏.‏

‏(‏الاختلاف السادس والعشرون‏)‏ استخرج محققهم المشهور ليكلرك اختلافات بين السامرية والعبرانية وقسمها إلى ستة أقسام‏:‏

‏(‏القسم الأول‏)‏ الاختلافات التي فيها السامرية أصح من العبرانية وهي أحد عشر اختلافًا‏.‏

‏(‏والقسم الثاني‏)‏ الاختلافات التي تقتضي القرينة والسياق فيها صحة ما في السامرية وهي سبعة اختلافات‏.‏

‏(‏والقسم الثالث‏)‏ الاختلافات التي توجد فيها زيادة في السامرية وهي ثلاثة عشر اختلافًا‏.‏

‏(‏والقسم الرابع‏)‏ الاختلافات التي فيها حرفت السامرية والمحرف محقق فطن، وهي سبعة عشر اختلافًا‏.‏

‏(‏والقسم الخامس‏)‏ الاختلافات التي فيها السامرية ألطف مضمونًا وهي عشرة اختلافات‏.‏

‏(‏والقسم السادس‏)‏ الاختلافات التي فيها السامرية ناقصة، وهما اختلافان‏.‏ وتفصيل الاختلافات المذكورة هكذا‏:‏

القسم الثاني‏:‏ سبعة اختلافات

القسم الأول ‏:‏ أحد عشر اختلافا

في سفر الاستثناء 1 5 باب 32

في سفر التكوين 6 49 باب 31 و 26 باب 35 و 17 باب 37 و 34 و 43 باب 41 و 3 باب 47

في سفر الخروج 2 2 باب 1 و2 باب 4

في سفر التكوين 9 درس 4 باب 2 و 3 باب 7 و 19 باب 19 و 2 باب 20 و 16 باب 23 و 14 باب 34 و 10 و 11 باب 49 باب 50

القسم الرابع‏:‏ سبعة عشر اختلافا

القسم الثالث‏:‏ ثلاثة عشر اختلافا

في سفر الخروج 3 باب 5 و 6 باب 13 و 5 باب 15

في سفر العدد 1 32 باب 22

في سفر التكوين 13 2 باب 2 و 10 باب 4 و 5 باب 9 و 19 باب 10 و 21 باب 11 و 3 باب 18 و 12 باب 19 و 16 باب 20 و 38 و 55 باب 24 و 7 باب 35 و 6 باب 36 و 50 باب 31

في سفر الخروج 7 18 باب 7 و 23 باب 8 و 5 باب 9 و 20 باب 21 و 5 باب 22 و 10 باب 32 و 9 باب32

في سفر الاستثناء 1 21 باب 5

في سفر التكوين 3 15 باب 29 و 36 باب 30 و16 باب 41

في سفر الأحبار 2 10 باب 1 و4 باب 17

القسم السادس‏:‏ اختلافان

القسم الخامس‏:‏ عشرة اختلافات

في سفر التكوين 2 16 باب 20 و 13 باب 25

في سفر الخروج 2 40 باب 12 و 17 باب 40

في سفر الاستثناء1 16 باب 20

في سفر التكوين 6 8 باب 5 و 31 باب 11 و 9 باب 19 و 34 باب 27 و 3 باب 39 و 25 باب 43

في سفر العدد 1 14 باب 4

قال محققهم المشهور هورن في المجلد الثاني من تفسيره المطبوع سنة 1822‏:‏ ‏(‏إن المحقق المشهور ليكلرك قابل العبرانية بالسامرية بالجد والتدقيق واستخراج هذه المواضع، وفي هذه المواضع للسامرية بالنسبة إلى العبرانية نوع صحة‏)‏ انتهى‏.‏

ولا يظن أحد انحصار مواضع المخالفة بين العبرانية والسامرية في الستين على ما حقق ليكلرك، لأن الاختلاف الرابع والثامن والعاشر والخامس عشر والسابع عشر والثامن عشر والثاني والعشرين والرابع والعشرين والخامس والعشرين ليست بداخلة في هذه الستين، بل مقصود ليكلرك ضبط المواضع التي فيها مخالفة كثيرة بين النسختين عنده، ولم يدخل في هذه الستين مما ذكرت إلا أربعة اختلافات، فإذا أخذنا جميع الاختلافات المذكورة في الشواهد الستة والعشرين بعد إسقاط المشترك صار اثنين وثمانين شاهدًا من الاختلافات التي بين النسخ الثلاث للتوراة، فأكتفي عليها ولا أذكر الاختلافات التي بين العبرانية واليونانية بالنسبة إلى الكتب الأخرى من العهد العتيق خوفًا من التطويل، وهذا القدر يكفي اللبيب‏.‏ وظهر أن قول الطاعن باعتبار النوع الثالث أيضًا ساقط عن الاعتبار بمثل سقوطه باعتبار النوعين الأولين‏.‏‏

‏(‏الشبهة الثالثة‏)‏ يوجد في القرآن أن الهداية والضلال من جانب اللّه تعالى، وأن الجنة مشتملة على الأنهار والحور والقصور، وأن الجهاد على الكفار مأمور به وهذه المضامين قبيحة تدل على أن القرآن ليس كلام اللّه، وهذه الشبهة أيضًا من أقوى شبههم قلما تخلو رسالة من رسائلهم تكون في رد أهل الإسلام ولا توجد فيها هذه الشبهة، ولهم في بيانها على قدر اختلاف أذهانهم تقريرات عجيبة يتحير الناظر من تعصباتهم بعد ملاحظة هذه التقريرات‏.‏

‏(‏أقول‏)‏ في الجواب عن الأمر الأول أنه قد وقع في مواضع من كتبهم المقدسة أمثال هذا المضمون فيلزم عليهم أن يقولوا إن كتبهم المقدسة ليست من جانب اللّه يقينًا، وأنا أنقل بعض الآيات عنها ليظهر الحال للناظر - الآية الحادية والعشرون من الباب الرابع من سفر الخروج هكذا‏:‏ ‏(‏وقال له الرب وهو راجع إلى مصر انظر جميع العجائب التي وضعتها بيدك أعملها قدام فرعون فأنا أقسي قلبه فلا يطلق الشعب‏)‏‏.‏

ثم قول اللّه في الآية الثالثة من الباب السابع من سفر الخروج هكذا‏:‏ ‏(‏إني أقسي قلب فرعون وأكثر آياتي وعجائبي في أرض مصر‏)‏ وفي الباب العاشر من سفر الخروج هكذا‏:‏ 1‏:‏ ‏(‏وقال الرب لموسى ادخل عند فرعون لأني قسيت قلبه وقلوب عبيده لكي أصنع به آياتي هذه‏)‏ 20‏:‏ ‏(‏وقسى الرب قلب فرعون ولم يطلق بني إسرائيل‏)‏ 27‏:‏ ‏(‏فقسى الرب قلب فرعون ولم يشأ أن يرسلهم‏)‏ وفي الآية العاشرة من الباب الحادي عشر من سفر الخروج هكذا‏:‏ ‏(‏وقسى الرب قلب فرعون فلم يرسل بني إسرائيل من أرضه‏)‏ فظهر من هذه الآيات أن اللّه كان قد قسى قلوب فرعون وعبيده لتكثير معجزات موسى عليه السلام في أرض مصر‏.‏

والآية الرابعة من الباب التاسع والعشرين من كتاب الاستثناء هكذا‏:‏ ‏(‏ولم يعطيكم الرب قلبًا فهيمًا ولا عيونًا تنظرون بها ولا آذانًا تسمعون بها حتى اليوم‏)‏‏.‏ والآية العاشرة من الباب السادس من كتاب أشعيا هكذا‏:‏ ‏(‏أعم قلب هذا الشعب وثقل آذانه وغمض عيونه لئلا يبصر بعينه ويسمع بأذنه ويفهم بقلبه ويتوب فأشفيه‏)‏‏.‏ والآية الثامنة من الباب الحادي عشر من الرسالة الرومية هكذا‏:‏ ‏(‏كما هو مكتوب أعطاهم اللّه روح سبات وعيونًا لا يبصرون بها وآذانًا لا يسمعون بها حتى اليوم‏)‏‏.‏

وفي الباب الثاني عشر من إنجيل يوحنا هكذا‏:‏ ‏(‏لم يقدروا أن يؤمنوا لأن أشعيا قال أيضًا قد عمى عيونهم وأغلظ قلوبهم لئلا يبصروا بعيونهم ويشعروا بقلوبهم ويرجعوا فأشفيهم‏)‏ فعلم من التوراة وكتاب أشعيا والإنجيل أن اللّه أعمى عيون بني إسرائيل وأغلظ قلوبهم وأثقل آذانهم لئلا يتوبوا فيشفيهم فلذلك لا يبصرون الحق ولا يتفكرون فيه ولا يسمعونه، ولا يزيد معنى ختم اللّه على القلوب والسمع على هذا‏.‏ والآية السابعة عشرة من الباب الثالث والستين من كتاب أشعيا في الترجمة العربية المطبوعة سنة 1671 وسنة 1831 وسنة 1844 هكذا‏:‏ ‏(‏لماذا أضللتنا يا رب عن طرقك أقسيت قلوبنا أن لا نخشاك فالتفت بسبب عبيدك سبط ميراثك‏)‏‏.‏

والآية التاسعة من الباب الرابع عشر من كتاب حزقيال في التراجم المسطورة هكذا‏:‏ ‏(‏والنبي إذا ضل وتكلم بكلام فأنا الرب أضللت ذلك النبي وأمد يدي عليه وأهلكه من بين شعبي إسرائيل‏)‏ فوقع في كلام أشعيا صراحة‏:‏ ‏(‏أضللتنا يا رب وأقسيت قلوبنا‏)‏ وفي كلام حزقيال‏:‏ ‏(‏أنا الرب أضللت ذلك النبي‏)‏‏.‏

وفي الباب الثاني والعشرين من سفر الملوك الأول هكذا‏:‏ 19‏:‏ ‏(‏ثم قال ميخا أيضًا من أجل هذا فاسمع قول الرب‏:‏ رأيت الرب جالسًا على كرسيه وجميع أجناد السماء قيامًا حوله عن يمينه وعن شماله‏)‏ 20‏:‏ ‏(‏فقال الرب من يخدع أخاب ملك إسرائيل فيصعد ليسقط تراموث جلعاد وقال بعضهم قولًا وقال بعضهم قولًا أخر‏)‏ 21‏:‏ ‏(‏فخرج روح وقام قدام الرب وقال أنا أخدعه فقال له الرب بماذا‏)‏ 22‏:‏ ‏(‏فقال أنا أخرج فأكون روح ضلالة في أفواه جميع أنبيائه، فقال له الرب تخدع وتقدر على ذلك اخرج وافعل وكذلك‏)‏ 23‏:‏ ‏(‏والآن قد جعل الرب روح ضلالة في أفواه جميع أنبيائك‏)‏ وكانوا نحو أربعمائة ‏(‏هؤلاء والرب قال عليك بالشر‏)‏ وهذه الرواية صريحة في أن اللّه تعالى يجلس على كرسيه وينعقد عنده محفل المشاورة للاغواء والخدع ‏(‏كما ينعقد محفل بارلمنت في لندن لأجل بعض أمور السلطنة‏)‏ فيحضر جميع أجناد السماء، فبعد المشاورة يرسل روح الضلالة فيقع هذا الروح في الأفواه ويضل الناس‏.‏ فانظر أيها اللبيب إذا كان اللّه وأجناد السماء يريدون إغواء الإنسان فكيف ينجو الإنسان الضعيف، وههنا عجب آخر وهو أن اللّه شاور وأرسل روح الضلالة بعد المشاورة ليخدع أخاب فكيف أظهر ميخا الرسول سر محفل الشورى ونبه أخاب عليه‏.‏

وفي الباب الثاني من الرسالة الثانية إلى أهل تسالونيقي هكذا‏:‏ 11‏:‏ ‏(‏ولأجل هذا‏)‏ أي لعدم قبولهم محبة الحق ‏(‏سيرسل إليهم عمل الضلال حتى يصدقوا الكذب‏)‏ 34‏:‏ ‏(‏لكي يدان جميع الذين لم يصدقوا الحق بل سروا بالإثم‏)‏‏.‏ فمقدسهم ينادي أن اللّه يرسل إلى الهالكين عمل الضلال أولًا فيصدقون الكذب فيدينهم، وإذا فرغ المسيح عليه السلام من توبيخ المدن التي لم يتب أهلها فقال‏:‏ ‏(‏أحمدك أيها الأب رب السماء والأرض لأنك أخفيت هذه عن الحكماء والفهماء وأعلنتها للأطفال، نعم أيها الأب لأن هكذا صارت المسرة أمامك‏)‏ كما هو مصرح في الباب الحادي عشر من إنجيل متى، فالمسيح عليه السلام يصرح بأن اللّه أخفى الحق عن الحكماء فأظهره للأطفال ويحمد على هذا الأمر ويقول وكان رضا اللّه هكذا، والآية السابعة من الباب الخامس والأربعين من كتاب أشعيا في الترجمة العربية المطبوعة سنة 1671 وسنة 1831 هكذا‏:‏ ‏(‏المصور النور والخالق الظلمة الصانع السلام والخالق الشر أنا الرب الصانع هذه جميعها‏)‏‏.‏

وفي الترجمة الفارسية المطبوعة سنة 1838 هكذا‏:‏ ‏(‏سازنده نور وافر يننده تاريكي منم صلح دهنده وظاهر كننده شر منكه خداوندم ابن همه أشيار بوجود مي آرام‏)‏ وفي الآية الثامنة والثلاثين من الباب الثالث من مراثي أرمياء هكذا‏:‏ ‏(‏أمن فم الرب لا يخرج الشر والخير‏)‏ وفي الترجمة الفارسية المطبوعة سنة 1838‏:‏ ‏(‏آياخير وشرازدهان خداصادر نمي شود‏)‏ والاستفهام إنكاري والمراد أن الخير والشر كلاهما يصدران عن اللّه تعالى‏.‏ وفي الآية الثانية عشرة من الباب الأول من كتاب ميخا في التراجم المذكورة هكذا‏:‏ فإن الشر نزل من قبل الرب إلى باب أورشليم‏)‏‏.‏ وفي الترجمة الفارسية المطبوعة سنة 1838‏:‏ ‏(‏أما هربدي بردر وازه أورشليم أزخد أوندنازل شد‏)‏ فظهر أن خالق الشر هو اللّه تعالى كما هو خالق الخير‏.‏ وفي الباب الثامن من الرسالة الرومية هكذا‏:‏ 29‏:‏ ‏(‏لأن الذين عرفهم بسبق علم قصدهم أن يكونوا شركاء لشبه ابنه ليكون هو بكر الأخوة كثيرين‏)‏ 30‏:‏ ‏(‏والذين سبق فعينهم فهؤلاء دعاهم أيضًا‏)‏ الخ وفي الباب التاسع من الرسالة المذكورة 11‏:‏ ‏(‏وهما لم يولدا بعد ولا فعلًا خيرًا وشرًا لكي يثبت قصد اللّه حسب الاختيار ليس من الأعمال بل من الذي يدعو‏)‏ 12‏:‏ ‏(‏قيل لها إن الكبير يستعبد للصغير‏)‏ 13‏:‏ ‏(‏كما هو مكتوب أحببت يعقوب وأبغضت عيسو‏)‏ 14‏:‏ ‏(‏فإذا نقول ألعل عند اللّه ظلمًا حاشا‏)‏ 15‏:‏ ‏(‏لأنه يقول لموسى ارحم من أرحم وترأف على من أترأف‏)‏ 16‏:‏ ‏(‏فإذن ليس لمن يشأ ولا لمن يسعى بل اللّه الذي يرحم‏)‏ 17‏:‏ ‏(‏لأنه يقول الكتاب لفرعون إني لهذا بعينه أقمتك لكي أظهر فيك قوتي ولكي ينادي باسمي في كل الأرض‏)‏ 18‏:‏ ‏(‏فإذن هو يرحم من يشاء ويقسي من يشاء‏)‏ 19‏:‏ ‏(‏فستقول لي‏:‏ لماذا يلوم بعد لأن من يقاوم مشيئته‏)‏ 20‏:‏ ‏(‏بل من أنت أيها الإنسان الذي تجاوب اللّه ألعل الجبلة تقول لجابلها لماذا صنعتني هكذا‏؟‏‏)‏ 21‏:‏ ‏(‏أم ليس للخزاف سلطان على الطين أن يصنع من كتلة واحدة إناء للكرامة وآخر للهوان‏)‏ فهذه العبارة من مقدسهم كافية لإثبات القدر، وكون الهداية والضلال من جانبه‏.‏ ولنعم ما قال أشعيا عليه السلام في الآية التاسعة من الباب الخامس والأربعين من كتابه‏:‏ ‏(‏الويل لمن يخالف جابلة خزف من خزاف الأرض هل يقول الطين لجابله ماذا تصنع هل يقول عملك ليس اليدان لك‏)‏ وبالنظر إلى هذه الآيات لعل مقتدى فرقة بروتستنت لو طرمال إلى الجبر كما يدل عليه ظاهر كلامه ذكر في الصفحة 277 من المجلد التاسع من كاثلك هرلد أقوال المقتدى الممدوح فأنقل عنها قولين‏:‏ 1 ‏(‏طبع الإنسان كالفرس إن ركبه اللّه يمشي كما يريد وإن ركبه الشيطان يمشي كما يمشي الشيطان، وهو لا يختار راكبًا من نفسه بل يجتهد الركبان أن أيًا منهم يحصله ويتسلط عليه‏)‏ 2 ‏(‏إذا وجد أمر في الكتب المقدسة بأن افعلوا هذا الأمر فافهموا أن هذه الكتب تأمر عدم فعل هذا الأمر الحسن لأنك لا تقدر على فعله‏)‏ انتهى‏.‏ فالظاهر من كلامه أنه يعتقد الجبر‏.‏ وقال القسيس طامس أنكلس كاتلك في الصفحة 33 من كتابه المسمى بمرآة الصدق المطبوع سنة 1851 طاعنًا على فرقة بروتستنت هكذا‏:‏ ‏(‏وعاظهم القدماء علموهم هذه الأقوال المكروهة‏)‏ 1 ‏(‏أن اللّه موجد العصيان‏)‏ 2 ‏(‏وأن الإنسان ليس مختارًا على أن يجتنب عن الإثم‏)‏ 3 ‏(‏وأن العمل على الأحكام العشرة غير ممكن‏)‏ 4 ‏(‏وأن الكبائر وإن كانت عظيمة لا توصل الإنسان إلى النقص في نظر اللّه‏)‏ 5 ‏(‏وأن الإيمان فقط ينجي الإنسان لأننا ندان بالإيمان فقط وهذا التعليم أنفع وتعليم مملوء بالطمأنينة‏)‏ 6 ‏(‏وأن أب إصلاح الدين يعني لوطر قال آمنوا فقط واعلموا يقينًا أنه يحصل لكم النجاة بلا مشقة الصوم وبلا مؤنة التقوى وبلا مشقة الاعتراف وبلا مشقة الأمور الحسنة ولكم نجاة نفيسة بلا شبهة كما للمسيح نفسه أذنبوا بالجرأة التامة أذنبوا وآمنوا فقط وينجيكم بالإيمان وإن ابتليتم في يوم واحد ألف مرة بالزنا أو القتل آمنوا فقط أنا أقول إن إيمانكم ينجيكم‏)‏ انتهى، فظهر أن ما قال علماء بروتستنت في الأمر الأول في حق القرآن مردود بلا شبهة مخالف لكتبهم المقدسة، ولقول مقتداهم‏:‏ ولا يلزم من خلق الشر أن يكون اللّه شريرًا كما لا يلزم من خلق السواد والبياض وغيرهما من الأعراض أن يكون أسود أو أبيض، والحكمة في خلق الشر كما هي في خلق الشيطان الذي هو أصل الشرور ورأس المفاسد مع علم اللّه الأزلي بأن الشيطان يصدر عنه كذا وكذا، وكما هي في خلق الشهوة والحرص في طبع الإنسان مع علمه الأزلي بما يترتب عليهما في كل فرد من أفراد الإنسان وكما كان اللّه قادرًا على أن لا يخلق الشيطان أو يخلقه ولا يعطيه القدرة على الإغراء ويمنعه عن الشر، ومع ذلك خلق ولم يمنعه عن الشر لحكمة ما، فكذلك قادر على أن لا يخلق الشر ولكنه في خلقه له حكمة ما‏.‏

‏(‏وأما الجواب عن الأمر الثاني‏)‏ فهو أنه لا قبح في كون الجنة مشتملة على الحور والقصور وسائر النعيم عند العقل، ولا يقول أهل الإسلام إن لذات الجنة مقصورة على اللذات الجسمانية فقط كما يقول علماء بروتستنت غلطًا أو تغليطًا للعوام، بل يعتقدون بنص القرآن أن الجنة تشتمل على اللذات الروحانية والجسمانية، والأولى أفضل من الثانية ويحصل كلا النوعين للمؤمنين‏.‏ قال اللّه في سورة التوبة‏:‏ ‏{‏وعد اللّه المؤمنين والمؤمنات جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها ومساكن طيبة في جنات عدن ورضوان من اللّه أكبر ذلك هو الفوز العظيم‏}‏ فقوله ورضوان من اللّه - الآية - معناه أن رضوانًا من اللّه أكبر منزلة من كل ما سلف ذكره من الجنات والأنهار والمساكن الطيبة وهذا القول يدل على أن أفضل ما يعطي اللّه في الجنة هي اللذات الروحانية وإن كان يعطي اللذات الجسمانية أيضًا‏.‏ ولذلك قال ذلك هو الفوز العظيم، لأن الإنسان مخلوق من جوهرين لطيف علوي وكثيف سفلي جسماني، وانضم إليهما حصول سعادة وشقاوة، فإذا حصلت الخيرات الجسمانية وانضم إليها حصول السعادات الروحانية، كان الروح فائزًا بالسعادات اللائقة به والجسد واصلًا إلى السعادات اللائقة به، ولا شك أن ذلك هو الفوز العظيم، وإن قال علماء بروتستنت إن اجتماعهما أيضًا في الجنة قبيح في عقولنا‏.‏ أقول لهم لا تضطربوا فإنه لا يحصل لكم إن شاء اللّه، وقد عرفت في الباب الأول أن الإنجيل عندنا عبارة عما أنزل على عيسى عليه السلام فقط، فلو وجد في قول من الأقوال المسيحية ما يخالف ظاهره حكم القرآن، فمع قطع النظر عن أنه مروي برواية الآحاد، وعن أن مخالفة كتبهم المقدسة لا تضر القرآن، كما عرفت في جواب الشبهة الثانية‏.‏ أقول إن ذلك القول يكون مئولًا ألبتة، وكون أهل الجنة كالملائكة في زعمهم لا ينافي الأكل والشرب على حكم كتبهم، ألا يرون أن الملائكة الثلاثة الذين ظهروا لإبراهيم وأحضر لهم إبراهيم عليه السلام عجلًا حنيذًا وسمنًا ولبنًا أكلوا هذه الأشياء كما صرح به في الباب الثامن عشر من سفر التكوين، وأن الملكين اللذين جاءا إلى لوط عليه السلام وصنع لهما وليمة وخبزًا فطيرًا أكلا كما صرح به في الباب التاسع عشر من سفر التكوين، والعجب أنهم لما اعترفوا بالحشر الجسماني فأي استبعاد في اللذات الجسمانية، نعم لو كانوا منكرين للحشر مطلقًا كمشركي العرب، أو كانوا منكرين للحشر الجسماني ومعترفين بالحشر الروحاني كاتباع أرسطو لكان لاستبعادهم وجه بحسب الظاهر‏.‏ وعندهم تجسد اللّه وما انفك عنه الأكل والشرب وسائر اللوازم الجسدانية باعتبار أنه إنسان، ولما لم يكن عيسى عليه السلام مرتاضًا مثل يحيى في الاجتناب عن الأطعمة النفسية وشرب الخمر كان المنكرون يطعنون عليه بأنه أكول وشريب كما هو مصرح به في الباب الحادي عشر من إنجيل متى‏.‏ وعندنا هذا الطعن مردود لكنا نقول إنه لا شك أن عيسى عليه السلام باعتبار الجسمية كان إنسانًا فقط، فكما أن الأطعمة النفيسة وشرب الخمر ما كانا مانعين في حقه عليه السلام عن اللذات الروحانية مع كونه في هذه الدار الدنيا بل كان على حضرته غلبة الأحكام الروحانية، فكذلك اللذات الجسمانية لا تكون مانعة عن اللذات الروحانية لأهل الجنة مع كونهم في النشأة الأخرى‏.‏

‏(‏وأما الجواب عن الأمر الثالث‏)‏ فيجيء في الباب السادس إن شاء اللّه لأن الجهاد في مطاعن النبي صلى اللّه عليه وسلم عندهم من أعظم المطاعن فأذكره في المطاعن هناك‏.‏‏

‏(‏الشبهة الرابعة‏)‏ أن القرآن لا يوجد فيه ما يقتضيه الروح ويتمناه‏.‏ ‏(‏والجواب‏)‏ أن ما يقتضيه الروح ويمتناه أمران‏:‏ الاعتقادات الكاملة والأعمال الصالحة، والقرآن مشتمل على بيان كلا النوعين على أكمل وجه كما عرفت في جواب الشبهة الأولى، ولا يلزم من عدم بعض الأمور التي هي مقتضيات الروح على زعم علماء بروتستنت نقصان القرآن كما لا يلزم نقصان التوراة والإنجيل والقرآن من عدم الأمر الذي هو مقتضى الروح على زعم علماء مشركي الهند من البراهمة، كما سمعت منهم أنهم يقولون إن ذبح الحيوان لأجل الأكل والتلذذ خلاف مقتضى الروح وغير مستحسن عند العقل جدًا، ولا يتصور أن يحصل له الإجازة فيه من جانب اللّه، فالكتاب المشتمل عليه لا يكون من جانب اللّه‏.‏‏

‏(‏الشبهة الخامسة‏)‏ يوجد في القرآن الاختلافات المعنوية مثلًا، قوله‏:‏ ‏{‏لا إكراه في الدين‏}‏ وقوله في سورة الغاشية‏:‏ ‏{‏فذكر إنما أنت مذكر لست عليهم بمسيطر‏}‏ وقوله في سورة النور‏:‏ ‏{‏قل أطيعوا اللّه وأطيعوا الرسول فإن تولوا فإنما عليه ما حُمّل وعليكم ما حُمِّلتم وإن تطيعوه تهتدوا وما على الرسول إلا البلاغ المبين‏}‏‏.‏ وهذه الآيات تخالف الآيات التي فيها أمر الجهاد‏.‏ ووقع في أكثر الآيات أن المسيح إنسان ورسول فقط، ووقع في موضع بضدها أنه ليس من جنس البشر بل منزلته أعلى منه‏.‏ الأول قوله في سورة النساء‏:‏ ‏{‏إنما المسيح عيسى ابن مريم رسول اللّه وكلمته ألقاها إلى مريم وروح منه‏}‏ والثاني قوله في سورة التحريم‏:‏ ‏{‏ومريم ابنة عمران التي أحصنت فرجها فنفخنا فيه من روحنا‏}‏ وهذان الاختلافان من أعظم الاختلافات في زعم القسيسين ولذا اكتفى عليهما صاحب ميزان الحق في الفصل الثالث من الباب الثالث منه‏.‏ ‏(‏وأقول‏)‏ في الجواب عن الاختلاف الأول أن هذا ليس باختلاف، بل هذا الحكم كان قبل الجهاد فلما نزل حكم الجهاد نسخ هذا الحكم، والنسخ ليس باختلاف معنوي وإلا يلزم أن يكون بين الإنجيل والتوراة في جميع الأحكام المنسوخة اختلاف معنوي، وكذا في نفس أحكام التوراة وكذا في نفس أحكام الإنجيل كما عرفت في الباب الثالث بما لا مزيد عليه، على أن قوله تعالى‏:‏ ‏{‏لا إكراه في الدين‏}‏ ليس بمنسوخ وقد عرفت الجواب عن الاختلاف الثاني في الأمر السابع من مقدمة الكتاب وظهر لك هناك أن القولين المذكورين لا يدلان على أن عيسى بن مريم ليس من جنس البشر وفهم هذا المعنى وهم صرف وظن فاسد، والعجب من هؤلاء العقلاء أنهم لا يرون الاختلافات والأغلاط التي وقعت في كتبهم كما علمت بعضًا منها في الفصل الثالث من الباب الأول

الفصل الثالث‏:‏ في إثبات صحة الأحاديث النبوية في كتب الصحاح من كتب أهل السنة والجماعة‏.‏

وهذا الفصل مشتمل على ثلاث فوائد‏:‏

‏(‏الفائدة الأولى‏)‏ جمهور أهل الكتاب من اليهود والمسيحيين كانوا يعتبرون سلفًا وخلفًا الروايات اللسانية كالمكتوب، بل جمهور اليهود يعتبرونها اعتبارًا أزيد من المكتوب، وفرقة كتلك تعتبرها مساوية له وتعتقد أن كليهما واجبا التسليم وأصلان للإيمان وجمهور بروتستنت من المسيحيين أنكروها كما أنكرها الصادوقيون من فرقة اليهود، وهؤلاء المنكرون من بروتستنت كانوا مضطرين في إنكارها، لأنهم لو لم ينكروها لما أمكن لهم بيان أصول ملتهم وعقائدهم الجديدة، لكنهم مع ذلك يحتاجون إليها في مواضع كثيرة ويوجد سند اعتبارها من كتبهم المقدسة، كما سيظهر لك جميع هذه الأمور إن شاء اللّه تعالى‏.‏

قال آدم كلارك في شرح ديباجة كتاب عزرا في المجلد الثاني من تفسيره المطبوع سنة 1751‏:‏ ‏(‏قانون اليهود كان منقسمًا على نوعين، مكتوب ويقولون له التوراة، وغير مكتوب ويقولون له الروايات اللسانية التي وصلت إليهم بوساطة المشايخ، ويدعون أن اللّه كان أعطى موسى كلا النوعين على جبل الطور فوصل إلينا أحدهما بواسطة الكتابة وثانيهما بواسطة المشايخ بأن نقلوها جيلًا بعد جيل، ولهذا يعتقدون أن كليهما مساويان في المرتبة ومن جانب اللّه وواجبا التسليم، بل يرجحون الثاني ويقولون إن القانون المكتوب ناقص مغلق في كثير من المواضع، ولا يمكن أن يكون أصل الإيمان على الوجه الكامل بدون اعتبار الرواية اللسانية، وهذه الرواية واضحة وأكمل، وتشرح القانون المكتوب وتكمله، ولهذا يردون معاني القانون المكتوب إذا كانت مخالفة للروايات اللسانية، واشتهر فيما بينهم أن العهد المأخوذ من بني إسرائيل ما كان لأجل القانون المكتوب، بل كان لأجل هذه الروايات اللسانية، فكأنهم بهذه الحيلة نبذوا القانون المكتوب وجعلوا الروايات اللسانية مبنى دينهم وإيمانهم، كما أن الرومانيين الكاتوليكيين في ملتهم اختاروا هذه الطريقة ويفسرون كلام اللّه على حسب هذه الروايات، وإن كان هذا المعنى الروايتي مخالفًا لمواضع كثيرة، ووصلت حالتهم في زمان ربنا إلى مرتبة ألزمهم الرب في هذا الأمر بأنهم يبطلون كلام اللّه لأجل سنتهم، ومن عهد الرب أفرطوا فيه جدًا حتى عظموا هذه الروايات أزيد من المكتوب‏.‏ وفي كتبهم أن ألفاظ المشايخ أحب من ألفاظ التوراة وألفاظ التوراة بعضها جيدة وبعضها غير جيدة، وألفاظ المشايخ كلها جيدة، وألفاظهم أجود جدًا من ألفاظ الأنبياء‏.‏ ومرادهم بألفاظ المشايخ هذه الروايات اللسانية التي وصلت إليهم بواسطة المشايخ وأيضًا في كتبهم أن المكتوب كالماء ومسنا وطالموت الذين رواياتهم مضبوطة فيهما مثل الخمر ذات الأباريز، وأيضًا في كتبهم أن القانون المكتوب كالملح ومسنا وطالموت مثل الفلفل والأبازير العذبة ومثلها أقوال أخر يعلم منها أنهم يعظمون الروايات اللسانية أزيد من القانون المكتوب ويفهمون كلام اللّه على ما يفهم شرحه من هذه الروايات فكان القانون المكتوب عندهم بمنزلة الجسد الميت والروايات اللسانية بمنزلة الروح الذي به الحياة، ويقولون في كون هذه الروايات أصلًا أن اللّه لما أعطى موسى التوراة فأعطاه معاني التوراة أيضًا وأمر أن يكتب الأول ويحفظ الثاني ويبلغه بالرواية اللسانية فقط، وهكذا تنقل جيل بعد جيل، ولذلك يطلقون على الأول لفظ القانون المكتوب وعلى الثاني لفظ القانون اللساني، والفتاوى التي تكون مطابقة لهذه الروايات يسمونها قوانين موسى التي حصلت على جبل سيناء ويدعون كما أن موسى حصل له التوراة في الأربعين يومًا التي كانت المكالمة بينه وبين اللّه على جبل سيناء، فكذلك حصلت له هذه الروايات اللسانية أيضًا وجاء بهما موسى من الجبل وبلغهما إلى بني إسرائيل بأن طلب هارون في الخيمة بعد ما راجع عن الجبل فعلمه القانون المكتوب أولًا ثم الروايات اللسانية التي هي معاني القانون المكتوب كما وجدهما من اللّه وقام هارون بعد ما تعلم وجلس على يمين موسى ودخل العازار وأيتامار ابنا هارون وتعلما كما تعلم أبوهما، وقال فجلس أحدهما على يسار موسى والآخر على يمين هارون فدخل المشايخ السبعون وتعلموا القانونين وجلسوا في الخيمة، ثم تعلم الناس الذين كانوا مشتاقين للتعلم، ثم قام موسى وقرأ هارون ما تعلم وقام، ثم قرأ العازار وايتامار وقام ثم قرأ المشايخ السبعون ما تعلموا على الناس فسمع كل من هؤلاء الناس هذا القانون أربع مرات وحفظوا حفظًا جيدًا ثم أخبر هؤلاء بعد ما خرجوا سائر بني إسرائيل فبلغوا القانون المكتوب بواساطة الكتابة وبلغوا معانيها بالرواية إلى الجيل الثاني، وكانت الأحكام في المتن المكتوب ستمائة وثلاثة عشر فقسموا القانون بحسبها ويقولون إن موسى جمع بني إسرائيل كلهم في أول الشهر الحادي عشر من السنة الأربعين من خروج مصر وأخبرهم بموته، وأمر بأن أحدًا إن نسي قولًا من القانون الإلهي الذي وصل بواسطتي إليه يجيء إلي ويسألني وكذلك إن كان لأحد اعتراض على قول من أقوال القانون يجيء إلي لأرفع ذلك الاعتراض وكان مشتغلًا بالتعليم إلى حياته الباقية يعني من أول الشهر الحادي عشر إلى السادس من الشهر الثاني عشر وعن القانون المكتوب وغير المكتوب وأعطى بني إسرائيل من القانون المكتوب ثلاث عشرة نسخة مكتوبة بيده بأن أعطى كل فرقة فرقة نسخة نسخة لتبقى محفوظة فيما بينهم جيلًا بعد جيل، وأعطى بني لاوى نسخة أخرى أيضًا لتبقى محفوظة أيضًا في الهيكل وقرأ القانون الغير المكتوب أعني الروايات اللسانية على يوشع‏.‏

وصعد على جبل نبو في اليوم السابع من الشهر ومات هناك وفوض يوشع بعد موت موسى هذه الروايات إلى المشايخ وهم فوضوا إلى الأنبياء فكان نبي يوصلها إلى نبي آخر إلى أن أوصل أرمياء إلى باروخ وباروخ إلى عذرا وعذرا إلى مجمع العلماء الذين كان شمعون صادق آخرهم وهو أوصل إلى اينيتي كونوس وهو إلى يوثي بن يختان وهو إلى يوسي بن يوسير وهو إلى نتهان الأريلي ويوشع بن برخيا وهما إلى يهودا بن يحيى وشمعون بن شطاه، وهما إلى شمايا وأبي طليون وهما إلى هلل وهو إلى ابنه شمعون، والمظنون أن شمعون هذا هو شمعون الذي أخذ ربنا المنجي على اليدين إذ جاءت مريم به إلى الهيكل بعد ما تمت أيام تطهيرها وهو أوصل إلى كملئيل ابنه وكملئيل هذا هو الذي تعلم منه بولس وهو أوصل إلى شمعون ابنه وهو إلى كملئيل ابنه وهو إلى شمعون ابنه وهو إلى رب يهودا حق دوش ابنه، وجمع يهودا هذا هذه الروايات في كتاب سماه مسنا انتهى‏.‏

‏(‏ثم قال إن اليهود يعظمون هذا الكتاب تعظيمًا بليغًا ويعتقدون أن ما فيه هو كله من جانب اللّه أوحى إلى موسى على جبل سيناء مثل القانون المكتوب ولهذا هو واجب التسليم مثله ومنذ صنف هذا الكتاب صار رائجًا بينهم رواجًا تامًا بالدرس والتدريس، وكتب عليه علماؤهم الكبار شرحين أحدهما في القرن الثالث في أورشليم والثاني في ابتداء القرن السادس في بابل واسم كل من هذين الشرحين كمرالان، معنى كمرا في اللغة الكمال، وقد حصل التوضيح التام للمتن في هذين الشرحين في ظنهم وإذا جمع الشرح والمتن يقال لهذا المجموع طالموت ويقال للتمييز طالموت أورشليم وطالموت بابل، وكان مذهبهم الرائج الآن كله مندرجًا في هذين الطالموتين اللذين كتب الأنبياء خارجة عنهما ولما كان طالموت أورشليم مغلقًا فلذلك الآن اعتبار طالموت بابل عندهم زائد‏)‏ انتهى وقال هورن في الباب السابع من الحصة الأولى من المجلد الثاني من تفسيره المطبوع سنة 1822‏:‏ ‏(‏مسنا كتاب مشتمل على روايات اليهود المختلفة وشروح متون الكتب المقدسة، وظنهم في حقه ان اللّه لما أعطى موسى التورات على جبل طور سيناء أعطاه هذه الروايات أيضًا في ذلك الحين ووصلت من موسى إلى هارون والعازار ويوشع ومنهم إلى الأنبياء الآخرين ومن هؤلاء الأنبياء إلى المشايخ الآخرين وهكذا وصلت من جيل إلى جيل إلى أن وصلت إلى شمعون وهذا شمعون هو شمعون الذي أخذ ربنا المنجي على يديه ووصلت منه إلى كملئيل ومنه إلى يهودا حق دوش أي المقدس وهو جمعها في آخر القرن الثاني بمشقة في أربعين سنة في كتاب، وهذا الكتاب من هذا الوقت بطنًا بعد بطن مستعمل في اليهود وكثيرًا ما يكون عزة هذا الكتاب زائدًا على القانون المكتوب‏)‏ انتهى‏.‏

‏(‏ثم قال على مسنا شرحان يسمى كل منهما كمرا أحدهما كمر أورشليم الذي كتب في أورشليم على رأي بعض المحققين في القرن الثالث وعلى رأي فادرمون في القرن الخامس والثاني كمرا بابل الذي كتب في القرن السادس في بابل، وكمرا هذا مملوء بالحكايات الواهية لكنه عند اليهود معتبر عظيم ودرسه وتدريسه رائجان فيهم، ويرجعون إليه في كل مشكل مذعنين بأنه مرشد لهم، ويقال كمرا لأن معنى كمرا الكمال، وظنهم أن هذا الشرح كمال التوراة ولا يمكن أن يكون شرح أفضل منه، ولا حاجة إلى شرح آخر، وإذا انضم بالمتن كمرا أورشليم يقال للمجموع طالموت أورشليم وإذا انضم به كمرا بابل يقال للمجموع طالموت بابل‏)‏ انتهى، فظهر من تحرير هذين المفسرين أربعة أشياء‏:‏

‏(‏الأول‏)‏ أن اليهود يعتبرون الرواية اللسانية كالتوراة بل كثيرًا ما يعظمونها تعظيمًا زائدًا عليه ويفهمون أنها بمنزلة الروح والتوراة بمنزلة الجسد وإذا كان حال التوراة هكذا فكيف حال الكتب الأخر‏.‏

‏(‏والثاني‏)‏ أن هذه الروايات جمعها يهودا حق دوش في آخر القرن الثاني وكانت محفوظة بالحفظ اللساني إلى ألف وسبعمائة سنة، ووقع على اليهود في أثناء هذه المدة آفات عظيمة ودواهي جسيمة مثل حادثة بخت نصر وانيتوكس وطيطوس وغيرها بحيث انقطع التواتر في هذه الحوادث وضاعت الكتب كما عرفت في الباب الثاني، ومع ذلك عندهم اعتبارها أزيد من التوراة‏.‏

‏(‏والثالث‏)‏ أن هذه الروايات في أكثر الطبقات مروية برواية واحد واحد مثل كلمئيل الأول والثاني شمعون الثاني والثالث، وهؤلاء ما كانوا من الأنبياء عند اليهود وكانوا عند المسيحيين من أشد الكفار المنكرين للمسيح ومع ذلك هذه الروايات عند اليهود مبنى الإيمان وأصل العقائد وعندنا الحديث الصحيح المروي برواية الآحاد لا يكون مبنى العقائد‏.‏

‏(‏والرابع‏)‏ أن كمرا بابل لما كتب في القرن السادس فحكاياته الواهية على قول هورن كانت محفوظة بالرواية اللسانية فقط إلى مدة هي أزيد من ألفين، فإذا عرفت حال اليهود باعتراف محققي فرقة بروتستنت فاعلم الآن حال جمهور القدماء المسيحية‏.‏ قال يوسي بيس الذي تاريخه معتبر عند علماء كاتلك وبروتستنت في الباب التاسع من الكتاب الثاني من تاريخه المطبوع سنة 1848 في الصفحة 87 في بيان حال يعقوب الحواري ‏(‏أن كليمنس نقل حكاية قابلة للحفظ في كتابه السابع في بيان حال يعقوب، هذا والظاهر أن كليمنس نقل هذه الحكاية عن الروايات اللسانية التي وصلت إليه من الآباء والأجداد‏)‏‏.‏

ثم نقل 2 في الباب الثالث والعشرين من الكتاب الثالث قول أرينيوس في الصفحة 123‏:‏ ‏(‏كنيسة أفسس التي بناها بولس وأقام فيها يوحنا الحواري إلى عهد سلطنة ترجان شاهد ذو إيمان لأحاديث الحواريين‏)‏ ثم نقل 3 في تلك الصفحة قول كلمينس‏:‏ ‏(‏اسمعوا في حق يوحنا الحواري حكاية ليست بكاذبة بل هي صادقة محققة بقيت في الصدور محفوظة‏)‏ ثم قال 4 في الباب الرابع والعشرين من الكتاب الثالث في الصفحة 126‏:‏ ‏(‏تلاميذ المسيح مثل الحواريين الاثني عشر والسبعين رسولًا وكثير من أناس آخرين لم يكونوا غير واقفين على الحالات المذكورة‏)‏‏.‏ أي الحالات التي كتبها الإنجيليون ‏(‏لكن كتبها منهم متى ويوحنا فقط وعلم من الرواية اللسانية أن تحريرهما أيضًا كان لأجل الضرورة‏)‏‏.‏ ثم قال 5 في الباب الثامن والعشرين من الكتاب الثالث في الصفحة 132‏:‏ ‏(‏كتب أرينيوس في كتابه الثالث حالًا هو حري بأن يكتب، ووصل إليه هذا الحال من يوليكارب بالرواية اللسانية‏)‏‏.‏ ثم قال 6 في الباب الخامس من الكتاب الرابع في الصفحة 147‏:‏ ‏(‏لم أر حال أساقفة أورشليم بالترتيب في كتاب لكنه ثبت بالرواية اللسانية أنهم بقوا مدة قليلة‏)‏‏.‏ ثم قال 7 في الباب السادس والثلاثين من الكتاب الثالث في الصفحة 138‏:‏ ‏(‏وصل إلينا بالرواية اللسانية أنهم لما أذهبوا اكناثيوث إلى الروم ليقتلوه بإلقائه بين أيدي السباع لأجل كونه مسيحيًا ومريابشيا في حفاظة العسكريين فقوى الكنائس المختلفة في أثناء الطريق بنصائحه وأقواله وأخبرهم عن البدعات التي كانت منتشرة في تلك الأيام أو كانت حدثت، ووصاهم باللصوق بالروايات اللسانية لصوقًا قويًا واستحسن أيضًا لأجل زيادة الحفظ أن كتب هذه الروايات وأثبت شهادته عليها‏)‏‏.‏ ثم قال 8 في الباب التاسع والثلاثين من الكتاب الثالث في الصفحة 142‏:‏ ‏(‏قال بي ببس في ديباجة كتابه اكتب لانتفاعكم جميع الأشياء التي وصلت من المشايخ إلي وحفظتها بعد التحقيق التام ليثبت زيادة تحقيقها بشهادتي عليها لأني ما رضيت من قديم الزمان بسماع الأحاديث من الذين يلغون كثيرًا ويعلمون نصائح أخرى أيضًا، بل سمعت الأحاديث من الذين لا يعلمون إلا النصائح الحقة التي هي مروية من ربنا الصادق، ومن لقيته من متبعي المشايخ سألته عن هذا أن اندراوس أو بطرس أو فيلبس أو ثوما أو يعقوب أو متى أو شخص آخر من تلاميذ ربنا أو أرستيون أو القسيس يوحنا مريد ربنا ماذا قال، لأن الفائدة التي حصلتها من ألسنة الأحباء ما حصلتها من الكتب‏)‏‏.‏ ثم قال 9 في الباب الثامن من الكتاب الرابع في الصفحة 151‏:‏ ‏(‏هجيسي بوس من مؤرخي الكنيسة مشهور ونقلت عن تأليفاته أشياء كثيرة نقلها عن الحواريين بالروايات اللسانية وكتب هذا المصنف مسائل الحواريين التي وصلت إليه بالرواية اللسانية بعبارة سهلة في خمس كتب‏)‏‏.‏

ثم نقل 10 في الباب الرابع عشر من الكتاب الرابع قول أرينيوس في بيان حال بوليكارت في الصفحة 158‏:‏ ‏(‏علم بوليكارت دائمًا ما تعلمه من الحواريين وبلغته الكنيسة بالرواية وكانت مسألة صادقة‏)‏‏.‏ ثم نقل 11 في الباب السادس من الكتاب الخامس عن قول أرينوس فهرست أساقفة الروم وقال في الصفحة 201‏:‏ ‏(‏الآن إلى تهيروس أسقفها الثاني عشر من السلسلة التي وصل إلينا بواسطتها الصدق والروايات اللسانية من الحواريين‏)‏‏.‏ ثم نقل 12 في الباب الحادي عشر من الكتاب الخامس قول كليمنس في الصفحة 206‏:‏ ‏(‏ما كتبت هذه الكتب لطلب الرفعة بل لظن كبرسني ولأن تكون ترياقات لنسياني جمعتها على طريق التفسير كأنها شروح للمسائل الإلهامية التي صرت بها معظمًا بعد ما تعلمتها من الصادقين المباركين، ومنهم بوني كوس الذي كان في يونان والثاني الذي كان يقيم في ميكنيا كريشيا كان أحدهما سريانيًا والآخر مصريًا وكان الباقون من سكان المشرق كان واحد منهم أشوريًا وواحد منهم عبرانيًا من أهل فلسطين والشيخ الذي وصلت آخر إلى خدمته كان مختفيًا في مصر وكان أفضل من المشايخ كلهم، وما طلبت شيخًا آخر بعده لأن أحدًا ما كان أفضل منه وهؤلاء المشايخ حفظوا الروايات الصادقة التي هي منقولة من بطرس ويعقوب ويوحنا وبولس جيلًا بعد جيل‏)‏‏.‏

ثم نقل 13 في الباب العشرين من الكتاب الخامس قول أرينيوس في الصفحة 219‏:‏ ‏(‏سمعت بفضل اللّه هذه الأحاديث بالإمعان التام وكتبتها في صدري لا في القرطاس وعادتي من قديم الأيام أني أكررها بالديانة‏)‏‏.‏ ثم قال 14 في الباب الرابع والعشرين من الكتاب الخامس في الصفحة 222‏:‏ ‏(‏كتب بولي كراتيس الأسقف رواية وصلت إليه بالرواية اللسانية في كتابه الذي أرسله إلى وكتر وكنيسة الروم‏)‏‏.‏ ثم قال 15 في الباب الخامس والعشرين من الكتاب الخامس في الصفحة 226‏:‏ ‏(‏ناركثوس وتهيوفلوس وكاسيوس من أساقفة فلسطين وأسقف كنيسة اسور وأسقف تولمائي كلاروس والأشخاص الآخرون الذين جاؤوا مع هؤلاء الأساقفة قدموا أمورًا كثيرة في حق الرواية التي وصلت إليهم في باب عيد الفصح من الحواريين منقولة بالرواية اللسانية جيلًا بعد جيل وكتبوا في آخر الكتاب أن أرسلوا نقوله إلى الكنائس لئلا يبقى للذين يضلون عن الصراط المستقيم سريعًا موضع الفرار‏)‏‏.‏ ثم قال 16 في الباب الثالث عشر من الكتاب السادس في بيان حال كليمنس اسكندريانوس الذي كان من أتباع تابعي الحواريين في الصفحة 246‏:‏ ‏(‏أنه قال في كتابه الذي ألف في بيان عيد الفصح أن الأحباء طلبوا مني أن أكتب لنفع الأجيال الآتية، الروايات التي سمعتها من الأساقفة‏)‏‏.‏ ثم قال 17 في الباب الحادي والثلاثين من الكتاب السادس في الصفحة 263‏:‏ ‏(‏ايفريكاتوس في رسالته التي هي موجودة إلى هذا الحين وكان أرسلها إلى ارستيديس يبين التطبيق بين بياني متى ولوقا في نسب المسيح باعتبار الرواية التي وصلت إليه من الآباء والأجداد‏)‏ انتهى كلامه‏.‏

وعلم من أقواله السبعة عشر أن القدماء المسيحية كانوا يعتبرون الرواية اعتبارًا عظيمًا وقال جان ملتر كاتلك في كتابه الذي طبع في بلد دربي سنة 1843 في رسالته العاشرة التي أرسلها إلى جيمس برون‏:‏ ‏(‏إني كتبت فيما قبل أيضًا أن مبنى إيمان كاتلك ليس كلام اللّه الذي هو مكتوب فقط بل أعم مكتوبًا كان أو غير مكتوب، يعني الكتب المقدسة والروايات اللسانية على ما شرحتهما كنيسة كاتلك به‏)‏‏.‏ ثم قال في تلك الرسالة 2 ‏(‏أن أرينيوس قال في الباب الخامس من المجلد الثالث من كتابه إنه لا يوجد لطالبي الحق أمر سهل من أن يتفحصوا في كل كنيسة عن الروايات اللسانية التي هي منقولة عن الحواريين وأظهروها في العالم كله‏)‏‏.‏ ثم قال في تلك الرسالة 3‏:‏ ‏(‏أن أرينيوس قال في الباب الثالث من المجلد الأول من كتابه أن ألسنة الأقوام وإن كانت مختلفة، لكن حقيقة الرواية اللسانية في كل موضع متحدة، كنائس الجرمن ليست مخالفة في التعليم والعقائد لكنائس فرانس وأسبانيا والمشرق ومصر وليبيا‏)‏‏.‏ ثم قال في تلك الرسالة 4‏:‏ ‏(‏إن أرينيوس قال في الباب الثاني من المجلد الثالث ولما كان تحرير سلاسل الكنائس كلها يفضي إلى التطويل فلذلك نرجع إلى رواية وعقيدة كنيسة الروم التي هي قديمة وعظيمة ومشهورة جدًا وبناها بطرس وبولس والكنائس كلها موافقة لها لأن الروايات اللسانية المنقولة عن الحواريين جيلًا بعد جيل كلها محفوظة فيها‏)‏‏.‏ ثم قال في تلك الرسالة 5‏:‏ ‏(‏أن أرينيوس قال في الباب الرابع والستين من الكتاب الرابع ولو فرضنا أن الحواريين لم يتركوا الكتب لنا فنقول إنه أما كان لازمًا علينا أن نطيع الأحكام التي ثبتت بالرواية اللسانية التي هي منقولة عن الحواريين وكانوا سلموها للناس الذين سلموها للكنيسة وهذه الروايات هي التي يعمل بحسبها الوحشيون الذين آمنوا بالمسيح بلا استعمال الحروف والمداد‏)‏‏.‏

ثم قال في تلك الرسالة 6‏:‏ ‏(‏إن ترتولين قال في كتابه الذي ألفه لرد أهل البدعة وطبع في بلد رهنان في الصفحة 36 و 37‏:‏ إن عادة أهل البدعة أنهم يتمسكون بالكتب المقدسة ويستدلون ويقولون إنه ليس غير الكتب المقدسة المكتوبة شيئًا قابلًا لأن يجعل مبنى الإيمان، ويقال بحسبه، ويعجزون بهذه الحيلة الأقوياء ويلقون الضعفاء في شبكاتهم، ويوقعون المتوسطين في الشك، ولذا نقول لا تجيزوا هؤلاء أبدًا أن يناظروا مستدلين بالكتب المقدسة لأنه لا تترتب على المباحثة التي تكون بالكتب المقدسة فائدة ما غير أن يصير الدماغ والبطن خاليين فلذلك طريقة الرجوع إلى الكتب المقدسة غلط، لأنه لا يحصل انفصال أمر من هذه الكتب، وإن حصل شيء يكون على الوجه الناقص، ولو لم يكن هذا الأمر أيضًا كانت طريقة المباحثة في تلك الصورة أيضًا أن يحقق أولًا أن الكتب المقدسة علاقتها من أي الناس وبلغ أي شخص إلى أي شخص في أي وقت الرواية التي صرنا بسببها مسيحيين، لأن الموضع الذي يوجد فيه أحكام الدين المسيحي وعقائده يوجد فيه صدق الإنجيل ومعانيه وجميع روايات الدين المسيحي التي هي لسانية‏.‏ ثم قال في تلك الرسالة 7‏:‏ ‏(‏إن أرجن قال إنه لا يليق بنا أن نعتبر الناس الذين ينقلون عن الكتب المقدسة ثم يقولون إن الكلام في بيتكم فانظروا فيه لأنه لا يليق بنا أن نترك الرواية الأولى التي في الكنيسة أو نعتقد غير ما بلغ إلينا كنائس اللّه برواية مسلسلة‏)‏‏.‏ ثم قال في تلك الرسالة 8‏:‏ كتب باسليوس أن المسائل الكثيرة محفوظة في الكنيسة يوعظ بها أخذت بعضها من الكتب المقدسة وبعضها من الروايات اللسانية وقوتهما في الدين مساوية، ومن كان له وقوف ما على الشريعة العيسوية لا يعترض على هذا‏)‏‏.‏ ثم قال في تلك الرسالة‏:‏ قال أبي فانيس في كتابه الذي ألفه في مقابلة المبتدعين ولنستعمل الرواية اللسانية لأن جميع الأشياء لا توجد في الكتب المقدسة‏)‏‏.‏ ثم قال في تلك الرسالة 19‏:‏ ‏(‏إن كريزاستم صرح في شرح الآية 3 الرابعة عشر من الباب الثاني من الرسالة الثانية إلى أهل تسالونيقي ظهر من هذا صراحة أن الحواريين لم يبلغوا الأشياء كلها إلينا بواسطة التحرير، بل بلغوا أشياء كثيرة بدون التحرير أيضًا وكلتاهما متساويتان في الاعتبار ولذلك فلنلاحظ أن رواية الكنيسة منشأ الإيمان، وإذا ثبت شيء بالرواية اللسانية فلا نطلب زائدًا عليه‏)‏‏.‏

ثم قال في تلك الرسالة 11‏:‏ ‏(‏إن اكستائن كتب في حق الشخص الذي حصل له الاصطباغ من المبتدعين أنه وإن لم يوجد السند التحريري في هذا الباب لكنه فليلاحظ أن هذا الرسم أخذ من الرواية اللسانية لأن الأشياء الكثيرة تسلم الكنيسة العامة أن الحواريين قرروها وهي ليست بمكتوبة‏)‏‏.‏ ثم قال في تلك الرسالة 12‏:‏ ‏(‏إن الأسقف وان سنت قال‏:‏ فليفسر المبتدعون الكتب المقدسة على وفق رواية الكنيسة العامة‏)‏ انتهى كلامه‏.‏ وعلم من أقواله الاثني عشر أن الروايات اللسانية مبنى إيمان فرقة كاتلك وكانت معتبرة عند القدماء‏.‏ وفي الصفحة 64 من المجلد الثالث من كاتلك هرلد‏:‏ ‏(‏أورد رب موسى قدسي شواهد كثيرة على أن متن الكلام المقدس لا يفهم بدون معونة الحديث والرواية اللسانية، واقتدى مشايخ كاتلك بهذه القاعدة في كل وقت‏)‏‏.‏

‏[‏2‏]‏ ‏(‏وقال ترتولين فليرجع لإدراك الشيء الذي علم المسيح الحواريين إلى الكنائس التي بناها الحواريون وعلموها بتحريراتهم ورواياتهم اللسانية انتهى‏.‏ فعلم من هذه العبارات المذكورة أن اليهود عندهم تعظيم الروايات والأحاديث أزيد من تعظيم التوراة، وأن جمهور القدماء المسيحية مثل كليمنس وأرينيوس وهجيسي بوس وبوليكارب وبولي كراتيس وتاركثوس وتهيوفلوس وكاسيوس وكلاروس وكليمنس اسكندريانوس وايفريكانوس وترتولين وأرجن وباسلنوس وأبي فانيس وكريزاستم واكستاين وون سنت الأسقف وغيرهم، كانوا يعظمون الروايات اللسانية ويعتبرونها، واكناثيوس كان من وصاياه في آخر عمره التشبث بالروايات اللسانية تشبثًا قويًا، وكليمنس قال في وصف مشايخه إنهم حفظوا الروايات الصادقة المروية عن بطرس ويعقوب ويوحنا وبولس جيلًا بعد جيل، وأبي فانيس قال الفائدة التي حصلتها من ألسنة الأحياء ما حصلتها من الكتب، وأرينوس قال سمعت الأحاديث بفضل اللّه بالإمعان التام وكتبتها في صدري لا في القرطاس، وعادتي من قديم الأيام أني أكررها دائمًا بالديانة، وقال أيضًا أنه لا يوجد لطالبي الحق أمر أسهل من أن يتفحصوا في كل كنيسة عن الروايات اللسانية التي هي منقولة عن الحواريين وأظهروها في العالم كله، وقال أيضًا لو فرضنا أن الحواريين لم يتركوا الكتب لنا فنقول إنه أما كان لازمًا علينا أن نطيع الأحكام التي ثبتت بالروايات اللسانية التي هي منقولة عن الحواريين، وارجن وترتولين يلومان على منكري الأحاديث، وباسليوس قال المسائل المأخوذة من الكتب المقدسة والمأخوذة من الأحاديث كلتاهما متساويتان في القوة، وكريزاستم قال كلتاهما متساويتان في الاعتبار ورواية الكنيسة منشأ الإيمان، وإذا ثبت شيء بالرواية اللسانية فلا نطلب زائدًا عليه، واكستائن صرح أن الأشياء الكثيرة تسلم الكنيسة العامة أن الحواريين قرروها وإنها ليست بمكتوبة، فالإنصاف أن رد الجميع لا يخلو عن تعصب وجهل، ويكذب هذا الأمر إنجيلهم أيضًا في الآية‏.‏

‏[‏1‏]‏ الرابعة والثلاثين من الباب الرابع من إنجيل مرقس هكذا‏:‏ ‏(‏وبدون مثل لم يكن يكلمهم وإما على انفراد، فكان يفسر لتلاميذه كل شيء‏)‏ ويبعد أن لا يكون هذه التفسيرات كلها أو بعضها مروية، وأن يكون الحواريون محتاجين إلى التفسير ومعاصرونا لا يكونون كذلك‏.‏

‏[‏2‏]‏ والآية الخامسة والعشرون من الباب الحادي والعشرين من إنجيل يوحنا هكذا‏:‏ ‏(‏وأشياء أخرى كثيرة صنعها يسوع إن كتبت واحدة واحدة فلست أظن أن العالم نفسه يسع الكتب المكتوبة، وكلام الإنجيل وإن لم يخل عن المبالغة والغلو لكنه لا شك أن قوله وأشياء أخرى كثيرة يشمل جميع أفعال المسيح معجزات كانت أو غيرها، ويبعد أن لا يكون شيء منها مرويًا بالرواية اللسانية‏)‏‏.‏

‏[‏3‏]‏ والآية الخامسة عشر من الباب الثاني من الرسالة الثانية إلى أهل تسالونيقي هكذا‏:‏ ‏(‏فاثبتوا إذن أيها الأخوة وتمسكوا بالتعاليم التي تعلمتموها سواء كان بالكلام أم برسالتنا‏)‏‏.‏ وقوله سواء كان بالكلام أم برسالتنا، يدل صراحة على أن بعض الأشياء وصلت إليهم بواسطة التحرير وبعضها بالكلام مشافهة، فلا بد أن يكون كلاهما معتبرين عند المسيحيين كما صرح كريزاستم في شرح هذا الموضع على ما عرفت‏.‏

‏[‏4‏]‏ وفي الآية الرابعة والثلاثين من الباب الحادي عشر من الرسالة الأولى إلى أهل فورنيثوس في الترجمة العربية المطبوعة سنة 1844 هكذا‏:‏

‏(‏فأما سائر الأشياء فسأوصيكم بها إذا قدمت إليكم‏)‏ ومن البين أن هذه الأشياء الباقية أوصاهم بها شفاهًا عندما جاء إليهم وهذه لم تكتب ويبعد أن لا يكون شيء منها مرويًا‏.‏

‏[‏5‏]‏ والآية الثالثة عشر من الباب الأول من الرسالة الثانية إلى تيموثاوس هكذا‏:‏ ‏(‏تمسك بصورة الكلام الصحيح الذي سمعته مني في الإيمان والمحبة التي في المسيح يسوع‏)‏‏.‏ فقوله الذي سمعته مني يدل على أنه سمع بعض الأشياء شفاهًا‏.‏

‏[‏6‏]‏ والآية الثانية من الباب الثاني من الرسالة المذكورة هكذا‏:‏ وما سمعته مني بشهود كثيرين أودعه أناسًا أمناء يكونون كفؤًا أن يعلموا آخرين أيضًا‏)‏ فهنا مقدسهم يأمر تيموثاوس أن يعلم الأناس الأمناء الأحاديث التي سمعها منه، وأن يعلم الأمناء أناسًا آخرين فلا بد أن تكون هذه الروايات مروية‏.‏

‏(‏7‏)‏ وفي آخر الرسالة الثانية ليوحنا هكذا‏:‏ ‏(‏إذ كان لي كثير لأكتب إليكم لم أرد أن يكون بورق وحبر لأني أرجو أن آتي إليكم وأتكلم بالفم لكي يكون فرحنا كاملًا‏)‏‏.‏

‏[‏8‏]‏ وفي آخر الرسالة الثالثة هكذا‏:‏ ‏(‏وكان لي كثير لأكتبه لكنني لست أريد أن أكتب إليك بحبر وقلم ولكنني أرجو أن أراك عن قريب فنتكلم بالفم‏)‏، فهاتان الآيتان تدلان على أن يوحنا قال في المشافهة أشياء كثيرة على ما وعد ويبعد أن لا تكون هذه الأشياء كلها أو بعضها مروية برواية‏.‏ فظهر مما ذكرنا أن من أنكر من فرقة بروتستنت اعتبار الأحاديث مطلقًا في الملة المسيحية فهو إما جاهل أو متعسف عنيد، وقوله مخالف لكتبه المقدسة ولجمهور علمائه من القدماء، وهو داخل في زمرة المبتدعين على قول بعض القدماء، ومع ذلك لا بد له من اعتبارها في كثير من هوسات فرقته مثل أن الابن مساوٍ للأب في الجوهر، وأن الروح القدس منشق من الأب والابن، وأن المسيح ذو طبيعتين وأقنوم واحد، وأنه ذو إرادتين إلهية وإنسانية، وأنه بعد ما مات نزل الجحيم، وغيرها من هوساتهم، مع أن هذه الكلمات لا توجد بعينها في العهد الجديد، وما اعتقدوا هذه الأمور إلا من الأحاديث والتقليدات، وأيضًا يلزم عليه أن ينكر كثير من أجزاء كتبه المقدسة مثل أن ينكر إنجيل مرقص ولوقا وتسعة عشر بابًا من كتاب أعمال الحواريين، لأنها كتبت بالروايات اللسانية لا بالمشاهدة ولا بالوحي كما عرفت في الباب الأول، ومثل أن ينكر خمسة أبواب من الخامس والعشرين إلى التاسع والعشرين من سفر الأمثال لأنها جمعت في عهد حزقيا من الروايات اللسانية التي كانت جارية بينهم، وما بين زمان الجمع وموت سليمان عليه السلام مدة مائتين وسبعين سنة‏.‏

الآية الأولى من الباب الخامس والعشرين من السفر المذكور هكذا‏:‏ هذه أيضًا أمثال سليمان التي استكتبتها أصدقاء حزقيا ملك يهوذا‏)‏ قال آدم كلارك المفسر في تفسيره المطبوع سنة 1851 ذيل شرح هذه الآية‏:‏ ‏(‏يعلم أن في آخر هذا السفر أمثالًا جمعت بأمر حزقيا السلطان من الروايات اللسانية التي كانت جارية من عهد سليمان فجمعوا هذه الأمثال منها وجعلوها ضميمة هذا السفر، ويمكن أن يكون المراد بأحباء حزقيا أشعيا وشنيا وغيرهما من الأنبياء الذين كانوا في ذلك العهد‏.‏ فتكون تلك الضميمة مثل السفر الباقي سندًا وإلا كيف ضموها بالكتاب المقدس‏)‏ انتهى، فقوله جمعت بأمر حزقيا السلطان من الروايات اللسانية صريح فيما قلت، وقوله ويمكن أن يكون المراد إلخ، مردود لأنه مجرد احتمال لا يتم على المخالف بدون السند الكامل وليس عنده سند بل يقول احتمالًا ورجمًا بالغيب، وقوله كيف ضموها بالكتاب المقدس مردود، لأن اليهود كان عندهم اعتبار الروايات أزيد من اعتبار التوراة، فإذا صارت التوراة سندًا عندهم معتبرًا مع أنها جمعت من روايات المشايخ بعد ألف وسبعمائة سنة تقريبًا، وكذا صارت قصص كمرا بابل معتبرة مع أنها جمعت بعد ألفي سنة، فأي مانع من اعتبار الأبواب الخمسة التي جمعت بعد مائتين وسبعين سنة، ولقد أنصف بعض المحققين من علماء بروتستنت واعترف أن الروايات اللسانية أيضًا معتبرة مثل المكتوب في الصفحة 63 من المجلد الثاني من كاتلك هرلد هكذا‏:‏ ‏(‏إن داكتربريت الذي هو من فضلاء بروتستنت قال في الصفحة 73 من كتابه إن هذا الأمر ظاهر من الكتب المقدسة أن الدين العيسوي صار مفوضًا إلى الأساقفة الأولين وتابعي الحواريين بالرواية اللسانية وكانوا مأمورين بأن يحافظوا عليه، ويفوضوه إلى الجيل المتأخر، ولا يثبت من كتاب مقدس سواء كان كتاب بولس أو غيره من الحواريين أنهم كتبوا متفقين أو منفردين جميع الأشياء التي لها دخل في النجاة، وجعلوا قانونًا يفهم منه أنه لا يوجد فيه شيء ضروري له دخل في النجاة غير المكتوب، وقال في الصفحة 32 و 33 من الكتاب المذكور ترى بولس وغيره من الحواريين أنهم كما بلغوا إلينا الأحاديث بواسطة التحرير كذلك بلغوا بواسطة الرواية اللسانية أيضًا والويل للذين لا يحفظونهما، والأحاديث العيسوية في أمر الإيمان سند كالمكتوب، انتهى كلام داكتربريت‏.‏ وقال أسقف مون نيك‏:‏ ‏(‏إن أحاديث الحواريين سند كمكتوباتهم ولا ينكر أحد من بروتستنت أن تقرير الحواريين اللساني أزيد من تحريرهم‏)‏ وقال جلنك ورتهه‏:‏ ‏(‏إن هذا النزاع أن أي إنجيل قانوني وأي إنجيل ليس بقانوني يزول بالرواية اللسانية التي هي قاعدة الإنصاف لكل نزاع‏)‏ انتهى كلام كاتلك هرلد‏.‏ وقال القسيس طامس أنكلس كاتلك في الصفحة 180 و 181 من كتابه المسمى بمرآة الصدق المطبوع سنة 1851‏:‏ ‏(‏يشهد أسقف ماني سيك من علماء بروتستنت أن ستمائة أمر قررها اللّه في الدين وتؤمر الكنيسة بها ويقبل في حقها أن الكتاب المقدس ما بينها في موضع وما عملها‏)‏ انتهى‏.‏ فعلى اعتراف هذا الفاضل ستمائة أمر ثبتت بالرواية اللسانية وواجبه التسليم عند فرقة بروتستنت‏.‏

‏(‏الفائدة الثانية‏)‏‏:‏ هذا الأمر ظاهر بالتجربة الصحيحة أن الأمر العجيب أو المهتم بشأنه يكون محفوظًا لأكثر الناس، وخلافه لا يبقى محفوظًا غالبًا لعدم الاهتمام، ولذلك إذا سألت الناس الذين لا يكونون متعودين على أكل طعام واحد مخصوص أو أطعمة مخصوصة ماذا أكلتم أمس أو قبل أمس لا يكون محفوظًا لأكثرهم غالبًا لعدم الاهتمام بهذا الأمر وعدم كونه عجيبًا أو عظيمًا وهكذا الحال في أكثر الأفعال العامة، والأقوال العامة وإذا سألت عن حال الكوكب الذي كان من ذوات الأذناب وظهر في شهر صفر سنة 1259 من الهجرة وشهر مارس سنة 1843 من الميلاد وكان ظاهرًا في الجو إلى شهر وكان في غاية الطول يكون محفوظًا للكثيرين من ناظريه وإن لم يكن شهر ظهوره، وعامه محفوظين لهم وقد مضت عليه مدة أزيد من إحدى وعشرين سنة وكذلك حال الزلازل العظيمة والمحاربات الشديدة والأمور النادرة، ولما كان اهتمام المسلمين بحفظ القرآن في كل قرن، يوجد فيهم من حفاظ القرآن في هذا العصر أيضًا أزيد من مائة ألف في الديار الإسلامية كلها وإن زالت سلطنة أهل الإسلام من أكثر أقطار الممالك ووقع الفتور في الأمور الدينية في أكبر أقطارهم ومن كان شاكًا في هذا الأمر من المسيحيين فليجرب وليدخل في الجامع الأزهر فقط فيجد في كل وقت أكثر من ألف حافظ من حفاظ القرآن الذين حفظوه بالتجويد التام، ولو تتبع قرى مصر لا يجد قرية من قرى أهل الإسلام تكون خالية عن حفاظ القرآن ووجد كثيرًا من البغالين والحمارين من أهل مصر أيضًا حافظين للقرآن، فإن أنصف اعترف البتة أن هؤلاء الحمارين والبغالين فائقون في هذا الباب على البابا والأساقفة والقسوس الذين يوجدون شرقًا وغربًا في هذا الزمان الذي هو زمان شيوع العلم في المسيحيين، فضلًا عن القرون السالفة المسيحية من الجيل السابع إلى الجيل الخامس عشر التي كان الجهل فيها بمنزلة شعار العلماء في تلك القرون على اعتراف علماء بروتستنت، وظني أنه لا يوجد في جميع ديار أوربا كلها عشرة من حفاظ الإنجيل أو التوراة أو كليهما بحيث يساوي حفظهم لأحدهما أو لكليهما حفظ هؤلاء البغالين والحمارين للقرآن، وقد عرفت في الفائدة الأولى قول أرينيوس أنه قال‏:‏ ‏(‏سمعت بفضل اللّه هذه الأحاديث بالإمعان التام وكتبتها في صدري لا في قرطاس وعادتي من قديم الأيام أني أكررها بالديانة‏)‏‏.‏ وقال أيضًا‏:‏ ‏(‏ألسنة الأقوام وإن كانت مختلفة لكن حقيقة الرواية اللسانية متحدة في كل موضع، فإن كنائس الجرمن ليست مخالفة في التعليم والعقائد لكنائس فرانس وأسبانيا والمشرق ومصر وليبيا‏)‏‏.‏ وقال وليم ميور في الباب الثالث من تاريخ كليسيا المطبوع سنة 1848‏:‏ ‏(‏القدماء المسيحية ما كان عندهم عقيدة مكتوبة من عقائد الإيمان التي اعتقادها ضروري للنجاة وكانت تعلم للأطفال وللذين كانوا يدخلون في الملة المسيحية تعليمًا لسانيًا، وهذه العقائد كانت متحدة قربًا وبعدًا، ثم لما ضبطوها بالكتابة وقابلوها وجدوها مطابقة وما وجدوا فيها غير الاختلاف القليل اللفظي وما كان فرق في أصل المطلب‏)‏ انتهى كلامه، فعلم أن الأمر الذي يكون مهتمًا بشأنه يكون محفوظًا ولا يتطرق فيه خلل بمرور مدة طويلة، وهذا الأمر ظاهر في القرآن وقد مضت مدة ألف ومائتين وثمانين سنة وهو كما أنه محفوظ بواسطة الكتابة في كل قرن فكذلك محفوظ في كل قرن أيضًا بواسطة صدور ألوف من الرجال، وأكثر فرق المسيحيين في هذا الزمان أيضًا بحيث لو لاحظنا حال كبار علمائهم وخواصهم فضلًا عن عوامهم، وجدناهم أنه لا يحصل لهم تلاوة كتبهم المقدسة، قال المعلم ميخائيل مشاقة من علماء بروتستنت في خاتمة كتابه المسمى بالدليل إلى طاعة الإنجيل المطبوع سنة 1849 في الصفحة 316‏:‏ ‏(‏أنني ذات يوم سألت كاهنًا‏)‏ من كهنة كاتلك ‏(‏أن يجيبني بالصدق عن مطالعة الكتاب المقدس وكم مرة قرأه في مدة حياته فقال إنه كان يقرأ أحيانًا وربما جملة أسفار لم يقرأها ولكن منذ اثنتي عشرة سنة لأجل انهماكه في خدمة الرعية لم يبق له فرصة المطالعة فيه، ولا يخلو أن كثيرين من الشعب يعرفون جهالة هؤلاء الاكليرس ولكنهم مع ذلك ينقادون إلى إرشادهم في المنع عن مطالعة الكتب المفيدة التي ترشدهم إليها‏)‏ انتهى كلامه بلفظه‏.‏

‏(‏الفائدة الثالثة‏)‏ الحديث الصحيح أيضًا معتبر عند أهل الإسلام على الوجه الذي سنفصله ولما كان قول رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ‏(‏اتقوا الحديث عني إلا ما علمتم فمن كذب عليَّ متعمدًا فليتبوأ مقعده من النار‏)‏ متواتر رواه اثنان وستون صحابيًا منهم العشرة المبشرة‏.‏ كان أهل الإسلام مهتمين بالأحاديث النبوية من القرن الأول، وكان اهتمامهم في حفظ الأحاديث أزيد من اهتمام المسيحيين كما أن اهتمامهم في حفظ القرآن في كل قرن أشد من اهتمام المسيحيين في حفظ كتبهم المقدسة، لكن الصحابة لم يدونوها في الكتب في عهدهم لبعض الأعذار منها الاحتياط التام لأجل أن لا يختلط كلام الرسول بكلام اللّه، وتابعو الصحابة كالزهري والربيع بن صبيح وسعيد وغيرهم رحمهم اللّه شرعوا في تدوينها لكنهم ما كتبوها مرتبة على ترتيب أبواب الفقه، ولما كان هذا الترتيب حسنًا ضبط تبع التابعين على هذا الترتيب، فالإمام مالك رحمه اللّه الذي ولد سنة خمس وتسعين من الهجرة صنف الموطأ في المدينة، وصنف أبو محمد عبد الملك بن عبد العزيز بن جريج في مكة، وعبد الرحمن بن الأوزاعي في الشام، وسفيان الثوري في الكوفة، وحماد بن سلمة في البصرة، ثم صنف البخاري ومسلم صحيحيهما واقتصرا فيهما على ذكر الأحاديث الصحيحة وترك غيرها من الضعاف، واجتهد الأئمة المحدثون في أمر الأحاديث اجتهادًا عظيمًا وقد صنف فن عظيم الشأن في أسماء الرجال يعلم به حال كل راو من رواة الحديث بأنه كيف كان حاله في الديانة والحفظ، وروى كل من أصحاب الصحاح الأحاديث بالإسناد منهم إلى رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم، وبعض أحاديث البخاري ثلاثيات تصل بثلاث وسائط إلى رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم‏.‏ وينقسم الحديث الصحيح إلى ثلاثة أقسام متواتر ‏[‏1‏]‏ ومشهور ‏[‏2‏]‏ وخبر الواحد ‏[‏3‏]‏ فالمتواتر ما نقله جماعة عن جماعة لا يجوز العقل توافقهم على الكذب، مثاله كنقل أعداد ركعات الصلاة ومقادير الزكاة ونحوهما‏.‏ والمشهور ما كان في عصر الصحابة كأخبار الآحاد ثم اشتهر في عصر التابعين أو عصر تبع التابعين وتلقته الأمة بالقبول في أحد العصرين الأخيرين فصار كالمتواتر، كالرجم في باب الزنا‏.‏ وخبر الواحد ما نقله واحد عن واحد أو واحد عن جماعة أو جماعة عن واحد، والمتواتر منها يوجب العلم القطعي ويكون إنكاره كفرًا، والمشهور يوجب علم الطمأنينة ويكون إنكاره بدعة وفسقًا، وخبر الواحد لا يوجب أحد العلمين المذكورين ويعتبر في العمل لا في إثبات العقائد وأصول الدين‏.‏ وإذا خالف الدليل القطعي عقليًا كان أو نقليًا يؤول إن أمكن التأويل، وإلا يترك ولا يعمل بالدليل العقلي‏.‏ والفرق بين الحديث الصحيح والقرآن بثلاثة أوجه‏:‏ الأول أن القرآن كله منقول بالتواتر كما نزل على رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم وما بدل ناقلوه لفظًا بلفظ آخر مرادف له، بخلاف الحديث الصحيح لأن نقله بالمعنى أيضًا كان جائزًا للناقل الثقة الماهر بلغة العرب وأسلوب كلامهم، والثاني أن القرآن لما كان كله متواترًا يلزم الكفر بإنكار جملة منه أيضًا بخلاف الحديث الصحيح فإنه لا يلزم الكفر إلا بإنكار قسم منه وهو المتواتر دون المشهور وخبر الواحد، والثالث أن الأحكام تتعلق بألفاظ القرآن ونظمه أيضًا كصحة الصلاة وكون عبارته معجزة، بخلاف الحديث فإنه لا تتعلق الأحكام بألفاظه‏.‏ وإذا عرفت ما ذكرت في الفوائد الثلاثة تحقق لك أنه لا يلزم من اعتبارنا الحديث الصحيح بالطريق المذكور شيء من القبائح والاستبعادات‏.‏